بدأ يومي الذي أروم حكيه لغرابته و امتلاءه بأحداث في تقديري متعبة من بعد صلاة المغرب بحوالي ربع ساعة .. الصحيان وخري ليس مشكلة في حد ذاته .. المشكلة لا تقع عندي .. بل تقع على بعد كيلو مترات من بيتي .. العزومة التي دعيت اليها .. العزوووومة .. المشكلة أن هذا الصديق العازم من أعز الأصحاب .. و له من الأعزاء كثر .. و لقد بارك الله في شهيتهم .. أنا أدري استعداد بطونهم .. و أوقن أن آداب الولائم تنقصهم .. متأكد من أن أحد منهم لن يتواني عن الفتك بالشوربة و التربص بصينية المحشي و أن الطيور التي قدر لها أن تنتهي على سفرة الصديق لن تنجو من براثنهم و أشواكهم .. رفعت رأسي فوجدت الدنيا شبه مظلمة .. تبرمت .. و طار فكري الي العزومة .. و عاد مسرعا عندما قرأت على الموبايل عدد ميسداته و وجدته مازال يتصل .. استندهشت .. ألا سحقا للنسيان الذي يلازمني .. الموبايل يهتز فقط .. و الله لو رج السرير رجا لما استيقظت .. انني أغيبب لا أنام .. و ما يفرض على مفارقة عالم الأحلام هو الضوضاء المتواصلة لمدة لا تقل عن ربع ساعة .. رددت على الصديق .. و قبل أي كلام صحت "ماليش دعوة أنا جي" .. صاح بدوره "طب انجز" .. طبعا لأنني شخص حالم ليس لي علاقة بأرض الواقع الا لماما .. ترقبت لرؤية مشهد وصولي لبيته و الأكل لم يمس و حلة الشوربة لم تتسرب من غطاها ذرة بخار واحدة و الكل يفتح ذراعه و يطمئنني أننا كدنا نوقف الساعة من أجلك .. ولكن هيهات .. مبدئيا عندما وصلت الي بيته .. كانت عمارته من أحد هذه العمائر التي يغلق بابها من الداخل و لايفتح الا من الداخل برضه .. أو بالانتركم .. و حالفني الحظ و كان الانتركم بااايظ .. فاتصلت بالصديق (والحمد لله أن الرصيد كان يتحمل) و أمرته أن يرسل لي شاب ابن حلال يفتح لي الباب .. فأغلق الخط و انتظرت .. و انتظرت .. البهوات كانوا يلقوب بالعبء من واحد لآخر .. حتي ترأف أحدهم بحالي و نزل ليفتح لي .. و عندما هممت بمصافحته مد لي معصمه لا كفه .. اللعنة شت .. انهم يلوكون الأطباق اذا .. و صعدنا بالأسانسير و قلبي يهبط .. دخلت وكان ما لا رسمته .. سفرة ممتلئة .. بالأطباق الخااالية .. و الضحايا من العظام و القشور متكومة أمام كل طبق .. و كل كوب يحمل قطرة أو اثنين .. جلست عند السفرة و الباقي كانوا في الصالة في انتظار الشاي لغرض الحبس .. و عيناي تذرع السفرة في حسرة عن أي ورك أو حتة دهن أو فص ليمون أو كوب نسي أحدهم أن يكرعه للنهاية .. و لكن .. حتي أتي الصديق من المطبخ حاملا صينية لازانيا بها ما يكفيني و ورك يكفيني و ما استطاع اقتناصه من محشي الفلفل من أمام الجمع الضاري .. شكرت له و انهلت آكلا على ما أمامي و الحمد لله لحقت الحلو من أوله
*
انتهيت من الافطار و توجهت مع بعض من الأصدقاء الي القهوة (المقهي يعني) لأطلب طلباتي المقدسة و نويت أن أنفض للتراويح لأن وقت العزومة التهم جزء كبير من الوقت .. و نويت أن أتهجد تعويضا .. صلاة الليل هي ما يميز رمضان مصرنا .. فتناولت طلباتي في راحة و هدوء محاطا بأصدقاء أعزاء في موود جيد .. و انقضي الوقت في مرح .. و قررت أن أكلم ابن عمي (يسكن في الدقي و أسكن في المعادي) لنصلي معا التهجد في جامع من اختياره .. و ألفيته مخنوقا جدا .. فألححت عليه حتو وافق على مضض و عشان خاطري و الكلام الحمضان ده .. و توجهت الي سيارتي الأكسنت التي آلت إلي بعد أن استخدمها أبي أول ما جاءت ثم قادتها أختي الكبيرة منذ سفر للمملكة حتي حصلت عليها بعد زواجها .. رجعت للبيت لأتجهز لليلة حامية من العبادة و الدعاء .. و عندما نزلت للسيارة مرة أخري موليا وجهي شطر الدقي تذكرت أن أصدقاء من الكلية كانوا قد ألحوا على بشدة أن ألتقي بهم اذ سيتجمعون في قهوة البورصة بوسط البلد .. و فيهم من لم آراهم منذ فترة (لم نكن كلنا من كلية واحدة .. بعضنا حول .. و آخرين في قسم مختلف في مكان مختلف عن كليتي) فرغبت أن أقابلهم و لو في السرييع .. أحتسي معهم قهواية واحدة و أنصرف .. فكلمت ابن عمي و أخبرته اني سأتأخر ربع ساعة و أن عليه أن يسبقني و أنا حاحصله .. فسخط و هرب منه صبره فنهرني حتي هداته و وعدته أني قادم لا محالة و أني لم ألح عليه لأبيعه في الآخر .. فصدق على مضض المضض و شعرت أني لو كنت أمامه لقذف بموبايله على نضارتي و لو لم تتهشم لقذفه مرة أخري .. ركبت سيارتي و انطلق الي الأوتوستراد .. السلوي أجدها في نجوم اف ام .. كريم الحميدي هذا مذيع جامد فشششخ .. أذاع أغنية "نسيني بيك" لأصالة و أنا أعشق هذه الأغنية ثم ختم برنامجه و ديدنه أن يختم بفيروز فكان أن ختم بـ"هدير البوسطة" .. و اذا تغاضينا عن حبي المنهمر لأغاني فيروز (التي تولاها زياد) فلن نستطيع أن نتغاضي عن حبي للبوسطة .. الطريق كان حلو .. القصر العيني لم يكن مزدحما .. الناس كانوا متعاونين .. أنا لا أفقه شيئا عن مقاهي وسط البلد .. فزنقت معظم المارة .. أسألهم عن وزارة الأوقاف تارة و عن قهوة البورصة تارة .. حتي عثرت عليها و صحبني صديق الي الطاولة التي تجمع حولها الناس .. و دار الحديث و تبادلنا الأخبار وشربت قهوتي في عجالة (و أحب أن أشيد بأن النادل على عكس ما توقعت أحضر لي كوب من المياه الساقعة عقب انتهائي من القهوة مباشرة و هو أمر لم أنتظره بتاتا .. بل قلت له عاوز كوباية مية و النبي و من داخلي أجزم أن الحلاقة هي مصيري) و انصرفت و وجهت سيارتي الي كوبري ستة أكتوبر المجيد و لزمت الحارة الشمال لأني قررت أنه لا فكاك من السرعة العالية اذا أردت ألا يستاء ابن العم و هو عزيز على .. حتي وصلت عند الوصلة المعلقة من الكوبري .. و انتهت السرعة و استراحت دواسة البنزية من قدمي الضاغطة كالمحموم .. الكوبري واقف و على مد البصر نقط حمراء كثييييرة .. اذا انها لن تفرج في القريب العاجل .. فلنصير قليلا .. و صبرت .. كتيير .. و السيارات تتحرك سنتيمترا و تعود للسكون .. و في رأسي يدور مشهد ابن عمي و هو يستمع الي و أنا أحكي له هذا الموقف و أراه يضحك و يجلجل معلقا ايه النحس ده .. يبدو أن حادث عطل سيعطل السير لوقت كثير .. و لكن مهلا .. هناك "بووووم" صوت مدوي لانفجارة صغننة .. و لكن مهلا مهلا .. انها من سيارتي .. غريب .. لم أشعر بخبطة من الخلف و لا من الجنب .. و بيني و بين السيارة التي أمامي مسافة طيبة .. و لكن تلاتة مهلا .. هناك طبقة من البخار الكثيف زحفت من خلف السيارة و حامت حول السيارة و تمركزت في أفقي قليلا ثم انقشعت مخلفة زجاج يشكو السخونة .. سـ أ تـ فـ جـ ر .. السيارة سوف تنفجر و أصير شتات .. على فكرة ماخفتش .. أنا بس تنحت في بلادة .. و فتحت الباب مسرعا و نزلت لأن لا فرار من أن هذه الجلبة أنا سببها .. أحطت السيارة بنظري .. هناك سائل اندلق على الأرض و اتخذ لون بني و رائحة الأسفلت الساخنة .. الحق أني ارتعت .. سحقا تبا .. من الذي سيرزح تحت لوم الأب و زعيقه و استراتيجيات الحرمان .. السيارات العابرة من جانبي لأنها تسير ببطء أساسا تبرع كل منهم بتحليل للموقف .. و أعجبني من قال أن الفريون فرقع .. لأن هذه أهون مثلا من تحطم الموتور عن طريق انفجار زيته .. و تطوع كام واحد بمنتهي الصدق و عرضوا على المساعدة .. و لكني أبيت .. لا لأني على ما يرام .. و لكن لأني لا أدري حقا ما حدث .. و لا أعلم ما انفجر لأشرع في معاينته و تصليحه .. فركبتني اللهوجة .. و أنا أساسا من النوع الذي يتشتت من الزحام .. فـ :) .. مكثت دقائق أحدق في السائل الذي عجزت عن الانحناء و شمه أو لمسه للتعرف عن طريق لزوجته ما هو .. حتي هداني الهادي الي الاتصال بصديق عزيز صاحب سيارة 128 (غني عن الايضاح أن أي مالك لسيارة 128 = محترف في صيانة السيارات) فسردت له الوقائع كاملة .. و اتبعت معه (ربنا يخليلي فودافون) عبر أمواج الموبايل ما جعلنا نستنتج أنه حقا تسرب للفريون تحت ضغط ناتج من السخونة الغامضة .. الحادث الذي عطل السير يبدو أنه ضخم و مروع .. اذ وجدت أن السيارات التي كانت بجانبي مرت في تباطئها و لكن لم أري أي سيارة تقبل من الخلف .. كأنهم منعوا الناس عن الطريق .. فصرت أنا وحدي على كوبري 6 أكتوبر .. والله وحدي .. فأتيحت لي الفرصة اذا أن أهدأ و أتروي .. تأكدت من أن مؤشر الحرارة نائم على الجنب المريح و أن مؤشر البنزين ثابت و لا يشي بأي تسرب .. رمقت ساعتي .. و حدست أني لن ألحق بالمسجد الذي اقترحه على ابن عمي خاصة اني أتوه لفترة وجيزة قبل أن أبلغ مكان لم أعرج عليه من قبل .. فقررت أن أصلي على الكوبري .. أيون على أسفلت الكوبري .. بالتحديد على فرشة من السيارة فوق أسفلت الكوبري .. ألا ان صلاة الليل ليس بضروري أن تكون في جامع بمئذنة و جماعة و امام يرتل .. و كنت لحسن الحظ متوضأ .. فركعت اثنتان و سلمت و قمت لأمضي .. و الكوبري مازال فارغ و المؤشرات مطمئنة .. مشيت السيارة قليلا و عبرت الحادث .. وقد كان بالفعل مؤسف .. سيارة ربعها الأمامي غائب و سيارة اسعاف تتعاطي مع المصاب .. حتي رأيت سيارة فولكس .. فتوقفت لأساعد و لأرد الجميل لايجيبت .. و تبينت أن أزمتهم سببها نفاد البنزين لديهم فعرضت عليهم أن يركب أحدهم - كانوا ثلاثة - معي و أنزله ليحضر بنزين و ليعود هو في تاكسي .. فوافقوا .. و دورت العربية يا معلم .. و اذا بمؤشر الحرارة يلمس الطرف الأخير الذي يخطر بأن السيارة كالقدر الذي يغلي .. فاعتذرت للشاب و تفهم و نزل .. و أصبحنا سيارتين وحيدتين على كوبري أكتوبر يقفون بجوار حادث أليم .. بيد أن مشكلتي كانت ميسورة نسبيا .. أنا معي زجاجتين ماء صغيرتين أحتفظ بهم في شنطة العربية (عيييييييب عليييييك) و بهدوئي الذي استعدته و مكالمة لصديقي المحترف اتفقنا على أن الرادياتير انخرم منفجرا مسربا كل الماء المسئول عن تبريد السيارة .. وأنني على الانتظار حتي تعود الحرارة الي الطبيعي ثم أملأ الرادياتير ماء و اتكل على الله أروح .. فانتظرت .. و في هذه الأثناء وقفت عربة الونش لتعزم على بأي خدمة ثم سيارة الاسعاف تحلف بالله مش عايز حاجة و أنا أشعر بالخزي كلما كررت أن الموضوع بسيط .. سخنت و مستنيها تبرد .. و جاءت سيارة حكومة تحمل رتبة ما و توقف أمامنا بعد لحظات و قال بكل العطف ايه اللي حصل .. فهمت أنه يظنني أنني الحادث المروع .. قلت له لا أنا مش الحادثة .. و يبدو أنا الناس اتصلوا بأكثر من جهة و أكثر من قسم .. المهم .. نزل شاب الفولكس معهم ليحضر بنزينا و أنا طمأنته و العار يملأني أن العربية سخنت و مستنيها تبرد ..
قلت بقه أكلم ابن عمي .. و تصورته مقهقها من الأحداث العجيبة متندرا بالمواقف التي أقع فيها و أفشل في علاجها .. فأخرجت الموبايل و طلبته و لم يرد .. طلبت شخص آخر يعرفه و يعرفني و يصلي مع ابن عمي .. حكيت له مختصرا و قال أن الصلاة خلصت .. و اعتذرت و انتهي الموضوع .. فوجئت بابن عمي يطلبني على موبايلي و هو متنرفز و دار حوار بيننا على شفا الخناق .. لامني على تغيير يومه من أجلي و عدم ظهوري .. لمته على فهمه الذي لم أقتنع به .. حتي أنهينا اللوم و استفسر عن مكاني و أغلق الخط وهو يقول أنا حجيبلك السحور و جي .. حاولت أن أثنيه .. التوتر بيننا مرتفع و اذا جاء و فتحت السيرة لن نهدأ و ستكون مشاجرة سخيفة العواقب .. و لكنه صمم .. و جاء بالفعل .. و قدم لي سندويتشين من جاد و زجاجة مياه و أعاد سؤاله على مطمئنا .. و اعتذرت له مجددا .. احنا في العشرة الأواخر برضه .. و الحمد لله هدأ هو الآخر .. لم تصفي الأنفس بالكامل ولكن على الأقل امتنع كلانا عن التمادي في الخناق .. هو وجعني لعدم تفهمه و اتهامي .. و أنا على ما يبدو وجعته لأنه كان يخطط لطرق أخري لقضاء ليله و قد بدله خصيصا من أجلي ثم لم أحضر .. ابتلاءات يا عزيزي .. ابتلاءات في العشر الأواخر خير
*
الرادياتير بالفعل انخرم .. أي انني سأقود لمسافة بسيطة .. ستسخن .. سأقف .. سأملأ .. سأركب .. سأقود لمسافة بسيطة .. ستسخن .. الخ و الخ و كمان الخ .. اذا أمامي رحلة جديدة .. و الفجر يؤذن .. سرت بالسيارة في الأوتوستراد .. و قفت عند جامع بجوار الامام الشافعي .. ملأت سبع زجاجات من ماء الميضة (الميه الساقعة مضرة) و وضعتهم في السيارة كمخزون للمسافة المتبقية .. أقام المؤذن .. توضأت (بعد أن أفرغت مثانتي من بول ساخن في راحة) و صليت .. انصرفت عائدا الي أرض المعادي العظيمة .. طلبت السلوي من الاف الام .. و السلوي وجدت .. "خليها على الله " أصالة .. "بيذكر بالخريف" فيروز
*
اللهم انك عفو تحب العفو
فاعف عنا