news general topic

Monday, March 31, 2008

عن شجرتين


حديقته

بستانه

المساحة الخضراء في حياته

التي كان ينتظر منها الكمال

فاجأته

*

الحياة الهادئة

الناعمة

السلسة

التي كانت تسير في وداعة

صدمته

*

الأمر فرض عليه السكوت لأيام

فهجر لسانه وظيفته

و كانت عينيه كل يوم

تتفرس و تفحص

لتتأكد أكثر و بصورة حاسمة

*

اذا .. انها حقيقة

لديه شجرة تفاح

فروعها عارية و كئيبة

لونها حائل و مقبض

قوامها هزيل و بائس

تنفر منها العفاريت

حتي الحشائش الصغيرة في محيطها

جفت و همدت

و لكن

على كل غصن

تتدلي مجموعة من الثمار

تفاح بهي

يعكس نور الشمس

حجمه شهي

يشيع رائحة خفيفة منعشة

سخي اذا عصر

ساحر اذا مضغ

و لديه شجرة أخري

فروعها مكتظة بالأوراق الخضراء

أوراق يمر بها الندي كل يوم

فيبكي من بهاء الورق

و يداعبها الهواء

فيستمرئ اللهو و لا يمضي

و تهبط آشعة الشمس عليها

فتجلي لونها و تغمس فيها ألق

الشجرة لها قوام عفي

سامقة .. كثيرة التفرع

العين تضل طريقها اذا ما راقبت التشعب في الأغصان

و الطيور تعرج عليها كل ساعة

ولكن

ثمارها خواء

لم تلفظ تفاحة واحدة

*

في البداية

حدثت عرقلة في عملية استيعابه

فارتفع عدم تصديقه

ثم تهشمت نفسيته

كان كلما نظر للشجرة الأولي

رأي جمال غائب

فيلتفت للشجرة الثانية

فيري ثمر غائب

كان المشهد يعنونه النقص

النقص الأبدي

و كانت غايته و أرضية أحلامه

شجرة واحدة تطرح الثمر و تمنح البهاء

و لكنه وجد خيبة

بل خيبتان .. تدمران الأرض من تحته

*

لازمته الحيرة فترة غير هينة

خشيت امرأته عليه

هي التي كانت تتسلم أذنيه يوميا

ساخرة من حاله الذي لم يرد لأحد

و كانت تتطوع بالحكي عن النادرة التي تعيشها

حتي أنها كانت تخبئ الأولاد في دار أهلها

اذ كان أول ما يفعله عندما يصحي

أن يخرج و يمد ذراعا الي شجرة

ثم يستدير فيمدها للشجرة الأخري

بوجه مكشوط التعابير

*

تخلي عن الحيرة

خاطبه أخوته الرجال

و ربتن عليه اخوته النساء

فأورثه التخلي وجه

كوجه الشبح المعلق بين جثمان صاحبه

و الجحيم المتحرق لاستقباله

*

بدأ يعترف بأن الدنيا خزلته

و بدأ يفكر في التحايل على الدنيا

ماذا لو مزج بين الشجرتين

ستنبت و لا شك شجرة واحدة

فيها الثمر و البهاء

درس الأمر جيدا جدا

و استهلك من ماله

و أنفق من صحته

و تجاهل حياته و مفرداتها

و طفق يغوص في أسرار الطين

حتي طبق ما ارتآه

بست طرق مختلفة

في ست مواضع مختلفة من بستانه

ولكن

ما تمخضت التجارب الا عن

شجرتين بلا بهاء

و شجرتين بلا ثمر

و الاثنتين الباقيتين ماتتا قبل أن تستويا

*

هدّه التفكير

و أنهكه التعب

و قرر أن يقتلع واحدة

طالما رؤية كلتاهما تؤرقه

و تبعث الحسرة في كامل أطرافه

سيجتث واحدة

سينهي واحدة

لينتهي ألمه

*

دعا زوجته

و نادي أولاده

و أحضر اخوته

و أجهز أدواته

و أقنع نفسه بحتمية ما سيفعله

اقترب من الشجرة الأولي

كانت سامقة و لكن نحيلة

جذعها حائل و مشقق

خشي من تحسسه مخافة أن يتفتت في يده

أجال بصره في الأغصان العارية

ظل يحدث نفسه ببهاظة قبحها

و قبل أن يعمل على قطعها

تذكر ولده الأصغر

تذكر الحمي و صرخاته الرفيعة

و الطبيب الذي هرع بالدواء

و الثمر الذي عجل بالشفاء

تذكر عيد الفطر الماضي

تذكر اقتحامه ديار اخوانه و اخوته

و في يديه سلال التفاح

و بهجة العيال و سعادة الكبار

تذكر الأوقات الحالكة في حياته

تذكر تكلف زوجته في قطف الثمار

رغم أنها كانت في أمس الاحتياج

الي من يجلب لها شربة ماء

تراجع الرجل

و رمق الشجرة في اجلال

و استدار الي الشجرة الأخري

و رفع يده ليعمل على قطع الشجرة

لولا أنه تذكر ابنته الوسطي

تذكر كيف كانت تتعامل مع ظل هذه الشجرة

على أنه مساحة حريتها مع صديقاتها

فتباعدت الخلافات عنهم

تذكر موت والديه

و أنه أبلغ اخوته بالخبر هنا

تحت هذا الظل

و أنهم أسروا اليه بدموعهم هنا

تذكر أحلك أوقات حياته

تذكر أنه لف يده حول كف زوجته

يعتذر اليها عن حماقاته و ترهاته

يرجوها أن تنسي أنها زوجته

يرجوها أن يتوسد صدرها

تذكر كل هذا

فتراجع

و رمق هذه الشجرة هي الأخري في اجلال

و أحس بسخونة في وجهه

فدخل الي داره مسرعا

قبل أن يروا دموعه

*

قال الرجل صادقا

" أعذرني على انقطاعي "

قال صديقه بنفس الصدق

" لا عليك .. أنا أعلم أن الحياة تصنع ما هو أفدح من ذلك .. على الأقل نحن مازلنا نتجمع و نفترق على ود"

و ضحك قليلا

قال الرجل

" في الحقيقة .. لا أعلم كيف أبدأ "

قال الصديق

" أنا أعلم .. هل تظن أن قصتك لا يعلمها أحد "

" لقد بكيت أمام شجرتين "

و ضحك قليلا

قال الرجل

" لم أصارح أحد بذلك من قبل "

" ولكن أؤكد لك أن الشجرتين عزيزتين جدا علي"

سكت الصديق و أمسك عن الضحك و راح ينصت

" هل تعلم ما يؤلمني حقا "

" لماذا لا أحظي بواحدة فيها الاثنين "

" تبا للبستان "

" لماذا لم تنمو شجرة واحدة أقطف ثمرها و أنعم بظلها في آن "

" هل تراني لا أستحق مثل هذه النعمة "

"هيا أخبرني .. أنت عليم بي .. سأتقبل حكمك "

" لماذا يزرع الناس جميعا منذ بداية التاريخ الي هذه اللحظة "

" و تبرز لي وحدي مثل هذه الأزمة .. لماذا "

" ما الحدث الفظيع الذي كان سيلم بالبشرية اذا ما وجدت عندي شجرة واحدة "

" هل تعلم أني حاولت بكافة الطرق العلمية و غير العلمية لزرع واحدة .. و لم تفلح "

" لماذا أنا "

و أحس بالسخونة مرة أخري ..و لكنه لم يفر

قال الصديق

" انظر .. ان الأمر صعب .. أكيد هو صعب عليك "

" لكن عليك أن تنظر حولك بين آن و آخر"

و أشار الي بستان غير بعيد و أكمل

" هل تتذكر فلان .. هل تعلم أنه منذ ثلاثين عاما يحاول زراعة الموز "

" و لم تتحقق أمنيته حتي الآن .. كل انتاجه كان جذوع قوية فحسب "

" هل تعلم أن بجانبه بستان كامل مدجج بالموز "

" هل تتصور كيف يصحو فلان هذا كل يوم منذ ثلاثين عاما على الرائحة نفسها "

" لك أن تتخيل كم يعصره الأسي "

" و لكنه لم يفطن الي الآن أنه رابح بكل المعايير "

" الموز مواسمه محدودة للغاية .. و سريع العطب .. أما الجذوع .. فلا ينتهي الطلب عليها "

" هو متزوج و لديه من الأبناء خمس "

" و عائلته تعيش في أحسن حال "

سكت قليلا ليرقب تأثير قوله على دموع الرجل

قال الصديق

" استمع الي "

" انت متزوج و لديك من الابناء ثلاث .. حفظهم ربك لك "

" و مع ذلك أمضيت الشهور الفائتة عابثا في الطين "

" أي أنك أهملت نعمة الزوجة و نعمة الأولاد و انصرفت الي محاولة اختزال نعمتين في نعمة واحدة "

" ثم تشكو من جدب قدرك "

" أعذرني ان احتد صوتي .. و لكني أهتم لأمرك "

" انظر حولك "

" أعرف امام لمسجد في الجوار سافر الي الشام ليخطب في جمعة "

" و أعرف رجل آخر يلصق القرش بجانب القرش ليستطيع أن يسافر و يزني في الشام "

" هل تفهم ما أريد قوله "

" لا جدوي من الحفر في الحديد "

" افهم آلية الحديد و تعامل معه على أنه حديد "

" انت حزين .. و انا مقدر هذا .. و لكن أتعلم "

" لا يقدر الحياة الا من حجب بعضها "

" ما بالك يا رجل تبكي و عينيك لا تكفان "

" أأنا من سأقول لك الكلام الذي اعتدت أن تزعجنا به في الماضي "

" هيا "

و استمر الرجل يبكي في حرقة

و رأسه تهتز في عنف من أثر التفكير

*

اللهم ارزقنا الرضا

اللهم باعد بيننا و بين الخمول


Popular Posts

adf.ly

trafficrevenue

amung.us